loader-logo

قراءة في مخرجات حوار بوزنيقة

يسعى هذا الموجز إلى عرض زاوية تقييم لإتفاق بوزنيقة باعتباره حلقة أولى ضمن حلقات عملية تسوية تقودها البعثة الأممية في ليبيا منذ 2014، ضمن سلسلة أوراق مخصصة لتقييم النتائج السياسية لمنهجية عملية السلام والوساطة الأممية القائمة وفعاليتها في إعادة توحيد الكيان السياسي الليبي.


    مقدّمة

رغم تأكيد رئيسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز للحكومة المغربية أن اجتماعات بوزنيقة غير ملزمة، وأنها ستكون بمثابة فرصة لتقريب وجهات النظر، وأن المسار السياسي الوحيد المعترف به لدى البعثة هو مسار تونس[1]؛ انطلقت في مدينة بوزنيقة المغربية بتاريخ 2 أكتوبر 2020 الجولة الثانية من جلسات الحوار الليبي بين وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لاعتماد معايير شاغلي المناصب السيادية، ضمن مسارات أخرى من الجولات الحوارية من بينها حوار مونترو في سويسرا في الفترة من 7 إلى 9 سبتمبر برعاية مركز الحوار الإنساني لاقتراح خارطة طريق انتقالية جديدة، والحوارات الأمنية والعسكرية بالغردقة المصرية بين وفدي المشير حفتر وحكومة الوفاق والتي ستنتقل إلى جنيف يوم 19 أكتوبر، بينما انطلق المسار الدستوري فعلياً في القاهرة من 11 إلى 13 أكتوبر، بالإضافة إلى المسار الرئيسي المزمع عقده مطلع نوفمبر في تونس.[2]

الجديد في جولة بوزنيقة هو إتفاق وفدي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة على آلية للمحاصصة الجهوية لسبعة مناصب سيادية مدرجة في المادة 15 من إتفاق الصخيرات، هي كما يلي: محافظ مصرف ليبيا المركزي، رئيس ديوان المحاسبة، رئيس جهاز الرقابة الإدارية، رئيس هيئة مكافحة الفساد، رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، رئيس المحكمة العليا، النائب العام.

يقترح إتفاق بوزنيقة أن يكون محافظ البنك المركزي من برقة، ونائبه من طرابلس، على أن تتولّى لجنة دولية محايدة فحص الملفات المقدّمة لشغل المنصب، ومن ثم يختار مجلس النواب 7 منهم ويرسلهم للأعلى للدولة الذي يختار 3 منهم، على أن يختار البرلمان المحافظ من بين الثلاثة، فيما تجرى نفس الآلية بشكل عكسي لنائب المحافظ الذي يختاره الأعلى للدولة.

كما يقترح أن يكون منصب رئيس ديوان المحاسبة من طرابلس، فيما تكون مناصب الوكلاء حسب التوزيع الجغرافي من الأقاليم الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان)، ويتولى رئاسة جهاز الرقابة الإدارية شخصية من برقة فيما يتولى رئاسة جهاز مكافحة الفساد شخصية من فزان، في المقابل تكون رئاسة المحكمة العليا في طرابلس مع خضوع الأمر للمنظومة القضائية، وكذلك النائب العام من طرابلس، أما المفوضية العليا فقد تم الاتفاق على أن تكون شخصية توافقية ومن ثم يتم اختيار الأعضاء.

زاوية التقييم

لا يمكن الحديث عن حوار الزنيقة دون العودة لتقييم مخرجات إتفاق الصخيرات الموقّع في ديسمبر عام 2015، والنظر لجدوى منهجية “الترميم” المتبعة من قبل البعثة الأممية في ليبيا، وفعاليتها في كبح فوضى ســــــياسية وأمنية وإيقاف الإنحدار إلى حالة متقدّمة من الدولة الفاشـــــلة التي ينخر الفساد مؤسساتها ولا تستطيع تقديم الحد الأدني من الخدمات والأمن لمواطنيها.[3]

ففي حدّه الأعلى، يمثل حوار بوزنيــقة إمـتداداً لإتفاق الصخرات الّذي تم تصميمه لصناعة حكومة بمحاصصة جهوية شكلية تنال الإعتراف الدولي دون الخوض في قضايا الصراع الجوهرية حينها. بالمثل، فإن اعتماد مبدأ المحاصصة الجهوية في توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم في بوزنيقة يؤكّد استـمرار نهج الغموض والتسكين لقضايا الخلاف عوضاً عن المواجهة المباشرة والتأسيس لعودة الثقة بين المكونات الليبية.[4

فرغم الإعتراف الضمني بالخلاف الجهوي والتعدد الجغرافي والطبيعة المركبّة لليبيا؛ تتماهى البعثة الأممية مع الحلول التلفيقية القائمة على المحاصصة الجهوية ضمن المنظومة المركزية الهشة دون محاولة موائمتها للواقع من خلال بناء مستويات متعددة للحكم تشمل حكومة مركزية سيادية وحكومات محلية.

“المحاصصة الجهوية الشكلية” لا يمكن اعتبارها ضمن إجراءات تعزيز الثقة، إذ لا ينتفع من وراء ذلك سوى فئات نفعية محددة من النخبة السياسية، فضلاً عن الإساءة لمفهوم ومعايير الوظيفة العامة، فكيف يمكن تصوّر عمل هيئة مكافحة الفساد أو جهاز الرقابة الإدارية بعد المحاصصة الجهوية؟ وهل – مثلاً – إذا أسندت مؤسسة سيادية لإقليم أو مدينة ما فإنها ستستأثر بها دون البقية؟ ألا يفتح هذا النهج إلى تقنين الفساد الإداري والمحسوبية باسم الجهوية؟

الأهم من ذلك، هل يمكن بهذه الطريقة التلفيقية تأسيس نظام انتقالي أو دائم من شأنه الإستجابة للإستحقاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وانتشال الكيان الليبي من حالة التفكك والضعف البنيوي وفخ الدولة الفاشلة أو شبه الدولة.

فحسب المؤشـــــــــر العالمي لقـــياس الدول الفاشـــــلة (Fragile States Index –FSI) المعـــــتمد من قبل صـــــــندوق الســـــلام، تمثل ليبيا أحد ثلاث دول الأكثر تقدماً في مؤشر الدولة الفاشلة خلال عام 2020 لتحتل المرتبة 20 في قائمة أكثر الدول هشاشة.[5]

خلال هذا الفشل المؤسسي أزدهر الاقتصاد الغنيمي وتفشت حالة غير مسبوقة من الفساد والنهب المنظّم والوساطة والمحسوبية القائمة على المغالبة والمدافعة الجهوية والقبلية.

وبالتالي فإن محاولة تلفيق النظام المركزي بتقاسم أطرافه بطريقة المحاصصة الجهوية لن يفيد في حل دائم للنزاع الليبي ولن يؤسس لعودة قريبة للدولة الليبية كما لن يفيد المواطن البعيد عن مراكز وحلقات النفوذ في أي من جهات أو مناطق ليبيا.


النتائج والتوصيات

  1. تعدد المسارات وغياب طاولة حوار مركزية يشتت عملية الحوار السياسي ويضعف عنصر التكامل بين الجوانب السياسية والإقتصادية والأمنية. إذ تتطلّب عملية إدارة المسارات المتعددة من الحوار الليبي الإنطلاق من قاعدة من الثوابت العامة حول قضايا الخلاف الجوهرية والتي تشكل لاحقاً إطاراً عاماً لكل النقاشات الفرعية.
  2. قضية الخلافات الجهوية وشكل الحكم المحلّي وإدارة العلاقة بين الأقاليم الليبية تقتضي حلاً توافقياً جذرياً؛ بحيث يكون هذا الحل حجر الزاوية في عمليتي بناء السلام وبناء الدولة في ليبيا.
  3. إعادة هيكلة النظام السياسي والإداري بشكل لامركزي أولى من التسوية بطريقة المحاصصة السلبية التي تسيء لمفهوم ومعايير الوظيفة العامة وتعزز حالة الاقتصاد الغنيمي.

[1] https://sptnkne.ws/DTYV

[2] https://unsmil.unmissions.org/unsmil-statement-resumption-intra-libyan-political-and-military-talks

[3] https://fragilestatesindex.org/country-data

[4] http://med-center.org/wp-content/uploads/2020/09/Libyan-Political-Dialoge.pdf

وليد ماضي. الحوار السياسي الليبي: رؤية لمعوّقات بناء السلام (مركز المتوسط للدراسات السياسية، سبتمبر 2020)

[5]https://public.tableau.com/shared/RKPFPJSJ8?:display_count=y&:origin=viz_share_link&:embed=y&:showVizHome=no